اسمه ونسبه ومولده ووفاته
هو شيخ الإسلام برهان الدين أبو الحسن، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني -رضي الله عنه- من أولاد سيدنا أبي بكرالصديق – رضوان الله تعالى عليه. ولد (في ما نقله اللكنوي) عقيب صلاة العصر من يوم الإثنين في الثامن من رجب، سنة إحدى عشرة وخمسمائة من الهجرة النبوية. وتوفي ليلة الأربعاء في الرابع عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة من الهجرة النبوية –صلى الله على صاحبها- ودفن بسمرقند.
طلبه للعلم
نشأ المرغيناني -رحمه الله- وترعرع في بيت سليل بالعلم والفضل، ومكانة اجتماعية، فحثه أبوه وجده لأمه على طلب العلم، فتلقى العلم من أبيه في بلده وهو صغير، وعلمه جده لأمه عمر بن حبيب مسائل الفقه في وقت مبكِّر، وبدأ يلقنه مسائل الخلاف في نعومة شبابه، وأوصاه بالجد والمثابرة والاجتهاد في الطلب، وأن يكون ذا همة عالية. سمع الحديث من بعض علماء بلده، كصاعد بن أسعد المرغيناني وغيره أولاً، ثم ارتحل في طلب العلم وسمع من مشايخ مختلفي البلدان والأقاليم، وأخذ من علومهم ومعارفهم وأخلاقهم، وسافر إلى مرو، وإلى بخارى، وإلى مدينة نسف وغير ذلك.
منزلته بين فقهاء المذهب في الفقه والتقوى
وصِفَ -رحمه الله تعالى- بالزهد والورع وكثرة العبادة، ووصف بكثرة الصوم فقد حكي أنه ألف “الهداية” في ثلاث عشرة سنة وكان صائما في تلك المدة لا يفطر أصلا، وكان يحاول أن لا يطلع على صومه أحد، فإذا جاء الخادم بالطعام تصدق به سرا على الطلبة، فكان الخادم يظن أنه أكله بنفسه، ولكن من سنة الله -جلت قدرته- أن العمل وإن كان في صخرة يظهره ويخرجه للناس. فببركة إخلاصه وزهده وورعه صار كتابه “الهداية” مقبولا بين العلماء. اعترف له بالفقه والفضل وأثنى عليه كثير من الفقهاء وأهل الفضل ممن عاصره -ولا يعرف الفضل لذويه إلا ذووه-، فمنهم: الإمام الفقيه الحسن بن منصور المعروف بقاضي خان، وهو ممن عاصره وتوفي قبله بسنة. والإمام أحمد بن محمد بن عمر المشهور بالعتابي، وصاحب “المحيط”، وصاحب” الذخيرة” محمود بن أحمد بن عبد العزيز الملقب ببرهان الدين، وصاحب “الفتاوى الظهيرية” و”الفوائد الظهيرية” القاضي ظهير الدين البخاري. وأثنى عليه العلامة أنور شاه الكشميري -رحمه الله – فقال: لا يدرك شأن صاحب “الهداية” في فقهه ألف فقيه مثل صاحب “الدر المختار”، فإن صاحب الهداية فقيه النفس، علمه علم الصدر، وعلم صاحب “الدر المختار” علم الصحف والأسفار، وإن البون بينهما لبعيد… “اهـ
ووصفه الذهبي فقال: “العلامة، عالم ما وراء النهر، برهان الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر،كان من أوعية العلم –رحمه الله-.” آهـ[4:ج23، ص113]
الامام المرغيناني -رضي الله عنه- من المجتهدين في المذهب. وجعله ابن كمال باشا دونهم، وليس بصحيح –كما تقدم-. فإنه جعل قاضي خان -رحمه الله- من طبقة المجتهدين في المسائل وشأن صاحب “الهداية” في نقد الدلائل واستخراج المسائل أعلى وأدق منه. وكما تقدم أن قاضي خان والعتابي وغيرهما شهدوا له بالفضل والتقدم في العلم والفقه، بل قد فاق مشايخه وخاصة بعد تأليفه “الهداية” وكفاية المنتهي”، فكان مقتضى هذا الاعتراف والشهادة أن يكون صاحب “الهداية” أعلى منهم درجة أو على الأقل مثلهم، لا أن يكون دونهم، ويشهد لما قلنا اعتناء علماء المذهب بكتابه “الهداية” اعتناء لا مثيل له في كتب المذهب.
مشايخه:
حرص صاحب “الهداية” -رضي الله تعالى عنه- كل الحرص على طلب العلم ولقاء المشايخ، فلم يفتر مرة، حتى إنه قال: “إنما غلبت شركائي بأني لا تقع لي فترة في التحصيل”. وقد جمع لنفسه مشيخة وسماها: “مشيخة الفقهاء”، وجلهم من أعلام مذهب الإمام أبي حنيفة -رضي الله عنه- والمتبحرين فيه.
نذکر منهم ههنا عدة أسماء:
والده -رحمه الله- وهو أبو بكر بن عبد الجليل، كان يوقف بداية الدرس على يوم الأربعاء، فكان صاحب “الهداية” يقفو أثره ويقول: “هكذا كان يفعل أبي”.
جده لأمه: عمر بن حبيب أبو حفص القاضي الإمام، قال صاحب “الهداية” -رضي الله عنه-: “علق جدي هذا لأمي مسائل الأسرار على القاضي الإمام أحمد بن عبد العزيز الزوزني، وكان من كبار أصحابه، قال: ثم درس الفقه بعد وفاته على الإمام الزاهد شمس الأئمة السرخسي، قال: وتلقيت منه مسائل الخلاف، وكان من جلة العلماء والمتبحرين في فن الفقه والخلاف، صاحب النظر في دقائق الفتوى والقضاء”. اهـ
أحمد بن عبد الرشيد بن الحسين قوام الدين البخاري، والد صاحب “الخلاصة”، أخذ العلم عن أبيه، وتفقه عليه ابنه وصاحب “الهداية”.
أحمد بن عبد العزيز بن مازه الصدر السعيد، أخو الصدر الشهيد، تفقه عليه صاحب “الهداية” وروى كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن -رحمه الله- من طريقته.
أحمد بن عمر بن محمد أبو الليث، أبوه عمر أبو حفص النسفي، تعلم على أبيه، وكان من الفقهاء الكبار في زمنه بسمرقند، وولده هذا يعرف بالمجد النسفي، وهو وأبوه من مشايخ صاحب “الهداية”.
الحسن بن على بن عبد العزيز أبو المحاسن ظهير الدين المرغيناني، تفقه على الفقهاء: عبد العزيز بن عمر بن مازه -والد أحمد الصدر السعيد المتقدم-، وعلى شمس الأئمة محمود الأوزجندي وغيرهما. تفقه عليه صاحب “الهداية”، وابن أخته افتخار الدين طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد، صاحب “الخلاصة”، وقد روى عنه صاحب الهداية بالإجازة كتاب الترمذي، وكان جامعا بين الفقه والحديث.
زياد بن الياس أبوالمعالي ظهير الدين، تلميذ البزدوي، قال صاحب “الهداية” في مشيخته: اختلفت إليه بعد وفاة جدي، وقرأت عليه أشياء من الفقه والخلاف، وكان مع غزارة العلم ووفور الفضل متواضعا، جوادا، حسن الخلق، ملاطفا لأصحابه، وكان من كبار المشايخ بفرغانة.
سعيد بن يوسف الحنفي القاضي، ذکره في مشيخته، وروى عن طريقه حديثا مرفوع متنه: “من ستر عورة مسلم ستر الله عليه في الدنيا والأخرة … الحديث”.[2: ج4 ص287]
صاعد بن أسعد بن إسحاق المرغيناني ضياء الدين، تقدم أنه من أوائل مشايخ صاحب الهداية، وقرأ عليه جامع الترمذي في بلده، ذكره في مشيخته، وذكر له حديثا بسنده، وأبوه وجدّه من الفقهاء من أسرة مشهورة بالعلم والفضل والفتوى والتدريس وغيرها(ت: 593ه).
عبدالله بن أبي الفتح الخانقاهي المرغيناني ذكره في مشيخته ووصفه بالإمامة والزهد والعبادة والكرامة، وأنه جاوز المائة سنة.
عبدالله بن محمد بن الفضل أبو البركات، الملقب بصفي الدين ذكره في مشيخته، وقال إنه أجازه إجازة مطلقة مشافهة بنيسابور.
عثمان بن إبراهيم بن علي الخواقندي أحد مشايخ فرغانة، وتلميذ لبرهان الأئمة عبد العزيز بن عمر، ذكره صاحب الهداية في “مشيخته” وقال: قرأت عليه أشياء من الفقه وغيره، وأجازني مشافهة.
عثمان بن علي بن محمد، أبو عمر البيکندي من أهل بخارى، ووالده من أهل بيکند، تفقه على شمس الأئمة السرخسي، وسمع الإمام خواهرزاده بكرا، ذكره صاحب الهداية في مشيخته. (ت 522 ه)
علي بن محمد بن إسماعيل الإسبيجابي السمرقندي أبو الحسن، المعروف بشيخ الإسلام، سكن سمرقند وصار المفتي والمقدم بها، ولم يكن فيما وراء النهر في زمانه أحفظ بمذهب أبي حنيفة منه، عاش طويلا نشر العلم، وكان له تلاميذ كثيرون، منهم السمعاني صاحب الأنساب. وقال صاحب “الهداية” في مشيخته: “اختلفت إليه مدة مديدة، وحصلت من فوائده ومحافل النظر نصابا وافيا، وتلقفت من فلق فيه: “الزيادات” وبعض “المبسوط” وبعض الجامع …” و توقي بسمرقند سنة 536 ه.
عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة برهان الأئمة حسام الدين، المعروف بالصدر الشهيد، تفقه علي والده، وله کتب معتبرة في المذهب کالفتاوى الصغرى و الفتاوى الکبرى و”الجامع المطول” و”المبسوط في الخلافيات”. وكان يكرم صاحب “الهداية” ويقدمه، ويجعله من خواص تلامذته في الدروس الخاصة، (ت 536 هـ)
عمر بن عبد المؤمن بن يوسف البلخي أبو حفص شيخ الإسلام، الملقب بصفي الدين، اجتمع به صاحب “الهداية”، وكان رفيقه في سفر الحج، وقرأ عليه أحاديث، وتناظرا في المسائل الفقهية. (ت: 559 ه)
عمر بن محمد بن أحمد نجم الدين أبو حفص النسفي السمرقندي، قال السمعاني: إمام فقيه فاضل، عارف بالمذهب والأدب، صنف التصانيف في الفقه والحديث، ونظم “الجامع الصغير” وجعله شعرا، وقال القرشي: وله نحو من مائة مصنف، وهو صاحب “طلبة الطلبة” في الألفاظ الحنفية، صدر صاحب الهداية مشيخته به، وثني بذکر ولده أحمد بن عمر -وقد تقدم- وقال: “سمعت نجم الدين عمر يقول: “أنا أروي الحديث عن خمسمائة وخمسين شيخا”. وقال: “قرأت عليه بعض تصانيفه” (ت: 537 ه).
عمر بن محمد بن عبدالله البسطامي أبو شجاع ضياء الإسلام، كان فقيها إماما على مذهب أبي حنيفة -رضي الله عنه- ذکره في ماشيخته وقال: من کبراء المشايخ ببلخ، وکانت له أسانيد عالية، ويد باسطة في أنواع من العلوم. كان موجودا سنة 530 هـ.
قيس بن إسحاق بن محمد أبو المعالي المرغيناني ثم السمرقندي، قال صاحب “الهداية” “بيننا وبينه قرابة قريبة”(ت: 527 هـ).
محمد بن أحمد بن عبدالله الخطيبي الجادي، الإمام الخطيب الزاهد، قال صاحب “الهداية”: “قرأت عليه الأحاديث”.
محمد بن أبي بكر بن عبدالله، أبو طاهر الخطيب، البوشنجي الإمام الزاهد، ذكره في مشبخته.[6:ج3، ص334]
محمد بن الحسن بن مسعود، عرف أبوه بابن الوزير، سمع منه وذكره في مشيخته. محمد بن الحسين بن ناصر، ضياء الدين، البندنيجي تفقه على العلاء السمرقندي صاحب التحفة، سمع منه “صحيح مسلم -رحمه الله- وأجازه رواية “صحيح مسلم عنه.
محمد بن سليمان أبو عبد الله الأوشي شيخ الإسلام نصر الدين، أحد الزهاد، ذكره في مشيخته.
محمد بن عبد الرحمن بن أحمد أبو عبد الله البخاري، الملقب بالعلاء الزاهد، صاحب “محاسن الإسلام”، قال السمعاني: كان إماما فاضلا مفتيا مذكرا أصوليا متكلما حسن الكلام في الوعظ والتفسير، وقيل: “إنه صنف في
(التفسير كتابا أكثر من ألف جزء”. اهـ. ذكره في مشيخته. (ت: 546 هـ
محمد بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب الكشمِهَنِّي المروزي أبو الفتح، من أهل مرو أجاز لصاحب “الهداية”، ومن طريقه روى “صحيح البخاري”.
محمد بن عمر بن عبد المك البخاري أبو ثابت المستملي، قال السمعاني: “كان فقيها حسن السيرة جميل الأمر” اهـ. ذكره في مشيخته. (ت: 554 هـ
محمد بن محمد بن الحسن منهاج الشريعة، تفقه عليه، وقال: “لم ترعيني أغزر منه فضلا ولا أوفر علما ولا أوسع منه صدرا ولا أعم منه بركة لم يتلمذ له أحد إلا برز على أقرانه، وصار أوحد زمانه، قرأت عليه في بدء أمري وحداثة سني، فلم أزل أغترف من بحاره، وأقتبس من أنواره إلى سنة خمس ثلاثين وخمسمائة، فعلقت عليه “الجامعين”، و”الزيادات”، و”طريقة الخلاف”، ومعظم الكتب المبسوطة، وكتاب “أدب القاضي” للخصاف، والأخبار والأثار المسندة التي اشتملت عليها”
محمد بن محمود بن علي العلامة أبو الرضا الطرازي سدد الدين، أحد مشايخ بخارى، تلميذ عبدالعزيز بن عمر بن مازه، وشمس الأئمة الزرنجري، كان فاضلا ومميزا، ذكره في مشيخته. مات في حدود سنة 570 هـ
تلامذته رضي الله عنهم
لقد تلمذ عليه -رضي الله عنه- الجم الغفير، وتخرج على يديه الكثيرون من فقهاء المذهب ممن لهم شأن عظيم في ما بعد في مجال العلم والعمل. وآتي هنا بعدد منهم بدأً بأبنائه الثلاثة الفقهاء ثم براوي “الهداية” عنه.
ابنه عماد الدين بن علي بن أبي بكر الفرغاني المرغيناني، تفقه على أبيه -صاحب “الهداية” وعلى القاضي ظهير الدين البخاري، وله ولد اسمه عبد الرحيم، برع في الفقه، وألف كتابا سماه بـ”الفصول العمادية”، نسبة إلى أبيه عماد الدين هذا، ويكثر ذكره في كتب المذهب.
ابنه عمر أبو حفص الملقب بنظام الدين، له: “جواهر الفقه” والفوائد.
ابنه محمد جلال الدين أبو الفتح. تفقه الثلاثة على أبيهم -صاحب “الهداية”- وبرعوا في الفقه وأفتوا، وصاروا مرجوعا إليهم في الفقه في زمانهم كأبيهم
محمد بن عبد الستار بن محمد العمادي الکردري شمس الأئمة أبو الوجد، كان من کبار الفقهاء في زمنه، يَفِد إليه الطلبة من الآفاق، تعلم بخوارزم على برهان الدين المطرزي صاحب “المغرب”، وتفقه بسمرقند على صاحب “الهداية”، وانتفع بعلمه کثيرا وروى “الهداية” للناس، وسمع أيضا فخر الدين قاضي خان، وبرع في معرفة المذهب حتى أحيا علم أصول الفقه في المذهب بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدبوسي
(وشمس الأئمة بدرالدين، (ت: 642 هـ
برهان الإسلام الزرنوجي (نسبة إلى زرنوج-بفتح أوله وسكون ثانيه، ونون، وآخره جيم: بلد مشهور بماء وراء النهر، بعد خوجند من أعمال تركستان)[5:ج3، ص139] صاحب كتاب “تعليم المتعلم طريق التعليم”، وقد أكثر من ذكر شيخه صاحب “الهداية” في هذا الكتاب، ونقل عنه كثيرا في عدة مواضع، منها: في “فصل في النية حال التعلم”، وفي “فصل في تعظيم العلم وأهله” في موضعين، وذكره في “فصل في الجد والمواظبة والهمة” في موضعين، وفي “فصل في بداية السبق وقدره وترتيبه”، وفي “فصل في الشفقة والنصيحة”، وفي “فصل الاستفادة واقتباس الأدب”.
الحسين بن على بن الحجاج، تفقه على صاحب “الهداية” وحافظ الدين
(محمد بن محمد بن نصر، وفوض إليه الفتوى وهو شاب. (ت: 710 هـ
عمر بن محمود بن محمد القاضي الإمام، قدم على صاحب “الهداية” للتفقه، وواظب على درسه مدة.
محمد بن أبي بکر زين الدين، عم محمود بن أبي بکر بن عبد القاهر والد سراج الدين عمر.
محمد بن على بن عثمان القاضي السمرقندي كان حافظا للرواية، مفتيا، مشارا إليه.
محمد بن محمود بن الحسين مجد الدين الأُسترُوشَني، تقدم أباه في العلم، وكان من المجتهدين، تعلم من أبيه ومن أستاذ أبيه صاحب “الهداية”، ومن ناصر الدين السمرقندي، وهو صاحب الكتب المعتبرة في المذهب، مثل “الفصول الأستروشنية، جعله على ثلاثين فصلا، اختار فيها مسائل القضاء
(والدعاوى، و”جامع أحكام الصغار”. (ت: 632 هـ
محمود بن الحسين، جلال الدين الأُستروشنى، والد صاحب “الفصول الأستروشنية”، المذكور آنفا.