إذا ألقينا نظرة الى التاريخ نرى أن العلماء والمفكرين العظماء قد نشاؤوا وترعرعوا فى بلاد ماوراءالنهر منذ ذلك أصبحت مركزا للعلوم والثقافة و تراثهم العلمى الذين أورثوا للأجيال القادمة.
وكما تم تنفيذ العديد من الإصلاحات في المجالات المختلفة فى أوزبكستان ، وخاصة في المجال الديني والتربوي. فى يومنا هذا يتم القيام بالأعمال ذات أهمية كبيرة بأوزبكستان فى إطار دراسة حياة هؤلاء العلماء – من محدثين ومفسرين ومتكلمين وفقهاء الذين ساهموا فى تطور الحضارة العالمية والتقدم العلمى والعلوم الإسلامية من خلال البحوث والتحقيق العلمى لتراثهم.
في الوقت الحاضر، مكتبات أوزبكستان تحتوى على ثروة غنية وغالية و نادرة، توجد فيها أكثر من 100.000 (مئة ألف) مخطوطة فى المجالات الدينية المختلفة. إن المكتبة المشهورة لدى معهد دراسات العلوم الشرقية باسم أبو ريحان البروني التى تأسست عام 1943 ، وهى واحدة من أكبر المكتبات بأوزبكستان تحتفظ بها المخطوطات القديمة و الغنية في العالم. هذه المكتبة مدرجة في قائمة التراث النادر وذات أهمية عالمية لليونسكو . تحتوي مكتبة المخطوطات لمعهد الدراسات الشرقية على أكثر من 25.000 مخطوطة تضم 60.000 كتابا و 28.000 مطبوعة قديمة و تضم 40.000 كتابا تقريبا.
توجد فى مكتبة إدارة مسلمى أوزبكستان 20.000 مخطوطة و مطبوعة نادرة. و من أقدم المخطوطات النادرة فى هذه المكتبة و هو المصحف العثمانى وهو واحد من النسخ الست المكتوبة فى الجلد فى القرن السابع.
من الواجب على هذا الجيل دراسة تلك الثروة الغنية الباقية وتحقيقها و ثم نشرها الى المجتمع المحلى و العالمى و لذا تم إنشاء عدة مراكز البحوث العلمية والتعليمية منها “مركز الإمام الترمذى الدولى للبحوث العلمية ” و “مركز الإمام البخارى الدولى للبحوث العلمية لدى مجلس وزراء جمهورية أوزبكستان” و “الأكاديمية الإسلامية الدولية لأوزبكستان” ولتحسين و تنشيط هذا المجال قد اتخذ قرار من قبل رئيس الدولة شوكت ميرضيائيف فى “تحسين نظام تخزين المصادر القديمة المكتوبة والبحث عنه والترغيب فيه” بتاريخ 24 مايو2017 وتحدث فيه دراسة المخطوطات و جمعها قائلا: “علينا أن ندرس المعلومات العلمية القديمة التابعة الى تراث أجدادنا و لو كانت ورقة” و فى تنفيذ هذا القرار تم تشكيل دار علم الحديث لدراسة التراث العلمى للإمام البخارى و المحدثين الآخرين و دار علم الكلام لدراسة التراث العلمى للإمام الماتريدى والمتكلمين الآخرين وكلاهم فى سمرقند، تم أيضا تشكيل دار علم الفقه لدراسة التراث العلمى للإمام برهان الدين المرغلانى و أئمة الفقه الآخرين بوادى فرغانه و تم تشكيل دار علم التصوف لدراسة التراث العلمى على طريقة الصوفية والمتصوفين ببخارى و دار علم العقيدة بقشقدريا. كما أيضا تم تشكيل دورات القرآءنية لدى كل مراكز البحوث العلمية والتعليمية و المدارس الثانوية المتخصصة الى العلوم الدينية والدنيوية.
الهدف من تشكيل هذه المراكز و الدورات و هامات المراكز المذكورة الرئيسة هى دراسة و بحث المخطوطات النادرة و المطبوعات القديمة مع جمع المخطوطات و ترميمها و ترجمتها و توسيعها الى المجتمع وتحسين البيئة الدينية فى المجتمع و تربية الأجيال الناشئة فى روح التسامح الدينى العرقى و الإحترام المتبادل و توطيد التعايش السلمى و إقامة العلاقات الدولية بمراكز البحوث العلمية فى أنحاء العالم.
إن مركز الإمام البخارى الدولى للبحوث العلمية ونشاطه يختلف عن هذه المراكز العلمية و التعليمية بأن فخامة الرئيس شوكت ميرضيائيف رئيس جمهورية أوزبكستان قدم مبادرة لإنشاء مركز الإمام البخارى الدولى للبحوث العلمية خلال انعقاد الدورة الثالثة و الأربعون لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء فى منظمة التعاون الإسلامي التى أقيمت خلال فترة 18- 19 أكتوبر من 2016 فى طشقند. و أكد معظم أعضاء مجلس وزراء الخارجية فى منظمة التعاون الإسلامي على الأهمية البالغة لها و التعاون فى تنفيذ هذا المشروع. أعرب العديد عن رغبتهم فى المساعدة فى إنشائه. و لقد تم الإنتهاء من إنشائه وسوف يتم افتتاح المركز رسميا بعقد مؤتمر دولى قريبا.
لما زار المركز رئيس الدولة شوكت ميرضيائيف يوم 11 يناير فى هذه السنة قال: هذا مكان ليحضر فيه كل أفراد المجتمع حتى تلاميذ المدارس وليستفد منه الفائدة والقوة الروحية بالزيارة الى المركز ومشاهدة المخطوطات و المتحف المصور فيه خريطة رحلة الإمام البخارى و تاريخ حياته و مؤلفاته المخطوطة القديمة و المطبوعة العصرية. كذلك حمل على باحثي المركز دراسة و بحث و تحقيق و تدقيق مؤلفات الإمام البخارى المخطوطة و المطبوعة و ترجمتها و نشرها بين المجتمع و الأجيال الناشئة من تلاميذ المدارس. قبل الزيارة قد تم إعداد ونشر بعض الكتب والرسائل المختلفة من المخطوطات والمطبوعات من قبل باحثي و موظفي المركز.
أمام المركز عدة أهداف هامة لتنفيذها منها دراسة التراث العلمي والديني لمواطنينا الإمام البخارى و المفكرين الآخرين من المحدثين و المفسرين والمتكلمين والفقهاء الذين ساهموا في تطوير علم الحديث والعلوم الأخرى من خلال نشر و ترجمة ونشرها على نطاق واسع بين شعبنا والمجتمع العالمي ووضع وتنفيذ تدابير لتنظيم البحوث العلمية بصورة منهجية بشأن هذه المواضيع،
و منها نشر القيم الإنسانية العظيمة للدين الإسلامي و الثقافة الإسلامية عن طريق دراسة و نشر تراث علماء الشرق،
و منها دراسة آفاق علم الحديث المكنونة وجهاته الأخلاقية التي لا بد منها في تطور الحضارة الإنسانية،
و منها دراسة علمية لنشر تعاليم الإسلام وتجاربه البناءة على أساس دراسة مميزات العلوم الإسلامية والإستفادة من قيم التسامح الموجودة في الدين الإسلامي في مواجهة التيارات المتشددة التي تستغل الأفكار الإسلامية لغايات عدوانية مدمرة.
و سيعلن بعد افتتاح المركز تأسيس” المنحة الدولية بإسم الإمام البخارى” للباحثين والدراسين الأوزبك والأجانب و إن شاء الله سيتم اختيار المرشحين للمنحة من بين الباحثين الأوزبك والأجانب الذين يقومون بدراسات حياة الإمام البخاري و تراثه العلمي.
الدراسة و البحث عن التراث العلمى للعلماء والمفكرين العظماء قد نشاؤوا فى بلاد ماوراءالنهر، تعلموا فيها و فى الدول الشرقية وأصبحوا مشهورين فى العالم، هي مازالت من وظائف هامة عند الأجيال الناشئة و الباحثين فى كل المراكز العلمية و التعليمية. لأن التراث العلمى وما أشبه ذلك من ثروة القومية و الدولية غالية الثمن لا تباع. لأنه منبع و مصدر الخير والبركات، التطور والتقدم، السلامة والفرح.