المطلب الأول: ترجمة الامام أبو حنيفة
الفرع الأول :اسمه واسم أبيه:
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن مرزُبان الكوفيّ (80-150 هـ/ 699-767م) فقيه وعالم مسلم، وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي.
وأبوه: ثابت بن النعمان بن زوطى بن ماه،
الفرع الثاني: نسبه عربي أم أعجمي:
وهناك خلاف في تحديد انتماءه العرقي، حيث توجد روايات متعددة، يُبْطِل كُل ما قِيل عنهُ سابقاً بانه غير عربي، كما ورد في كتاب (عروبة الإمام أبي حنيفة النعمان) للدكتور ناجي معروف، واستناداً إلى مقولة: (أهل مكة أدرى بشعابها) تُؤكد المَصَادر الحَنَفية، إنه عربي الأرومة، وان ثابت بن المرزبان، من بني يحيى بن زيد بن أسد، من عرب الأزد الذين هاجروا من اليمن وسكنوا أرض العراق بعد انهيار سد مأرب جراء سيل العرم وباتوا جزء من نبط العراق.
الفرع الثالث: نشأته:
نشأ أبو حنيفة بالكوفة وتربى بها، وعاش أكثر حياته فيها، متعلماً ومجادلاً ومعلماً، ولم تُبين المصادر حياة أبيه وحاله وما كان يتولاه من الأعمال، وأنه كان من التجار، وأنه كان مسلماً حسن الإسلام. ولقد روي أن علياً بن أبي طالب دعا لثابت عندما رآه بالبركة فيه وفي ذريته، ويؤخذ من هذا أنه كان مسلماً وقت هذه الدعوة، وقد صرحت كتب التاريخ بأن ثابتاً ولد على الإسلام، وعلى ذلك يكون أبو حنيفة قد نشأ أول نشأته في بيت إسلامي خالص، وذلك ما يقرره العلماء جميعاً إلا من لا يؤبه لشذوذهم ولا يلتفت لكلامهم.
الفرع الرابع:عصره الذي عاش فيه:
لم يكن عصر الإمام أبي حنيفة عصر تأليف وتدوين بالمعنى المعروف فيما بعد، بمعنى أن يخلو العالم إلى نفسه فيكتب أو يملي الأشياء الكثيرة، فلم يكن أبو حنيفة قد فرغ نفسه للتأليف والإملاء، فقد كان يقوم الليل حتى يصبح، فإذا أصبح صلى الصبح ثم جلس يُعلِّم الناس حتى يضحي، ثم ذهب إلى بيته لحاجاته، ثم يخرج إلى السوق لينظرَ في شؤون تجارته ودنياه، ويعودَ مريضاً، أو يشيعَ ميتاً، أو يزورَ صديقاً، وينام بين الظهر والعصر، ثم يجلس بعد العصر لتعليم الناس والإجابة على أسئلتهم إلى الليل، وهكذا. والتدريس شغله عن التأليف، وهو فوق ذلك مرجع طلاب العلم ، يقصدونه من الكوفة والبصرة وداني البلاد وقاصيها، لذا لم تكن لأبي حنيفة تآليف كثيرة تتناسب مع مكانته العلمية العظيمة.
المطلب الثاني: المذهب الحنفي ومصنفاته:
الفرع الأول: المذهب الحنفي:
هو أوسع المذاهب انتشاراً، وأكثرها أتباعاً، وبناءً على ذلك فقد كثرت مصنفاته ما بين متون ومختصرات، وشروح ومطولات، وحواشٍ وتعليقات، وفتاوى ومنظومات، غير أن بعض هذه المصنفات طار ذكرها، وانتشر خبرها، وسار الرُّكبان بها، وتلقّاها علماء المذهب بالقبول، واعتمدوها أكثر من غيرها؛ إذ هي مَعنيّة بنقل الصحيح والراجح من المذهب. ومعلوم أن المحققين من متأخري الحنفية كابن عابدين، وعبد الحي اللكنوي قسموا الكتب المصنفة في المذهب إلى كتب معتمدة في نقل المذهب، وكتب غير معتمدة، ولا يجوز الإفتاء منها.
الفرع الثاني: المصنفات غير المعتمدة في المذهب:
وقد ذكروا في أسباب عدم اعتمادها: كونها تجمع الأقوال الضعيفة والمسائل الشاذة، وإن كان مؤلفوها من كبار الفقهاء؛ كما هو الحال في كتاب القُنية للزاهدي (ت 658 هـ)، والسراج الوهاج شرح مختصر القدوري لأبي بكر الحدادي (ت 800 هـ)، والدر المختار لعلاء الدين الحصكفي (ت 1088 هـ). أو لكونها لم يُطّلع على حال مؤلفيها؛ هل كانوا فقهاء معتمدين، أم كانوا جامعين بين الغث والسمين؛ كما هو الحال بالنسبة لشمس الدين القهستاني (ت 953 هـ) صاحب شرح النُقاية المسمّى بجامع الرموز، وكما هو الحال بالنسبة لمنلا مسكين (ت 954 هـ) صاحب شرح كنز الدقائق. وقد يكون عدم اعتمادها راجعاً إلى إعراض أجلّة العلماء وأئمة الفقهاء عنها، فإن هذا يُعدّ علامة واضحة على عدم اعتبارها عندهم.
الفرع الثالث: المصنفات المعتمدة في المذهب:
أما المصنفات المعتمدة فكثيرة، وهي مُقسّمة على النحو التالي: ويأتي على رأسها كتب ظاهر الراوية. ومرتبة هذه الكتب في المذهب كمرتبة الصحيحين في الحديث؛ إذ هي الأصل الذي يُرجع إليه في فقه أبي حنيفة وأصحابه. ولذا عُني بها العلماء عناية كبيرة حتى إن الإمام محمد بن محمد ابن أحمد المروزي المعروف بالحاكم الشهيد (ت 334 هـ) قام بجمعها واختصارها في كتاب واحد سمّاه: الكافي. ولذا عدّه أئمة الحنفية أصلاً من أصول المذهب، وتباروا في شرحه، فكان أجلّها وأشهرها كتاب المبسوط لشمس الأئمة السرخسي.
قال ابن عابدين في منظومته:
ويجمع الست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الأمة السرخسي
معتمد النقول ليس يُعمَل بخُلفِه وليس عنه يُعدَل
المطلب الثالث: مصنفات الإمام أبو حنيفة في علم الكلام:
لقد ثبت عن الإمام أنه ألف في علم الكلام كتابي “الفقه الأكبر” و”الفقه الأوسط”، وكتاب “العالم والمتعلم”، وكتاب “الرسالة” إلى مقاتل بن سليمان صاحب التفسير، وكتاب “الرسالة” إلى عثمان البتي فقيه البصرة، وكتاب “الوصية” وهي وصايا عدة لأصحابه. ولقد ترك الإمام أبو حنيفة عدة رسائل صغيرة في علم الكلام نسبت إليه، وقام بشرحها بعض أئمة المذهب الحنفي. ولقد ذكر ابن نديم في ترجمته لأبي حنيفة والكتب التي صنفها أن له: كتاب الفقه الأكبر، وكتاب رسالته إلى البتي، وكتاب العالم والمتعلم، وكتاب الرد على القدرية.
الفقه الأكبر:
قد نال عناية المتقدمين، وهو رسالة صغيرة طبعت وحدها في بضع ورقات في حيدر آباد في الهند، وله عدة روايات منها رواية حماد بن أبي حنيفة وقد شرحها ملا علي القاري، ورواية أبي مطيع البلخي، وهي معروفة بالفقه الأبسط وشرحها أبو الليث السمرقندي، وعطاء بن علي الجورجاني، وهناك روايات وشروح أخرى. ولقد نسب شرح الفقه الأكبر خطأ إلى أبو منصور الماتريدي. وكما لم يسلم نسبة الشرح للفقه الأكبر إلى بعض الشراح من الشك، فإن نسبة الفقه الأكبر لأبي حنيفة لم تسلم من الشك كذلك. فلقد ذكر الشيخ محمد أبو زهرة أن نسبة الفقه الأكبر لأبي حنيفة موضع نظر عند العلماء، فلم يتفقوا على صحة نسبة هذا الكتاب إليه، ولم يدع أحد الاتفاق على صحة هذه النسبة، حتى أشد الناس تعصباً له، ويعلل ذلك أنه قد ذكرت مسائل في الفقه الأكبر لم يكن الخوض فيها معروفاً في عصر أبي حنيفة ولا العصر الذي سبقه، فلم نجد فيمن قبله ولا من معاصريه من المصادر من تصدى للتفرقة بين الآية والكرامة والاستدراج، مما يدفعنا إلى الظن بأن هذه المسائل قد زيدت في الرسالة في العصور التي خاض العلماء فيها في هذه المسائل، أو أن الرسالة كلها كتبت في العصور المتأخرة متلاقية مع آراء الماتريدية والأشاعرة فيها.
وخلاصة ما اشتمل عليه الفقه الأكبر
هو بيان أصل التوحيد وما يصح الاعتقاد عليه وذكر عدة قضايا كلامية من غير إيراد أدلة تفصيلية، وهو لم يتعرض للدليل في الفقه الأكبر إلا في موضعين: الأول: مشكلة خلق القرآن، والثاني: بيان ذكر اليد والوجه والنفس لله تعالى. ونرى في الفقه الأكبر اهتماماً بالحديث عن الإيمان والإسلام ومسألة التكفير والتفسيق، وفي هذا رد على الخوارج، وكذلك الحديث عن مسألة خلق الأفعال كرد على القدرية، ومسألة أخرى تتصل بصفات الله تعالى، ونفي التشبيه والتجسيم كرد على المجسمة والمشبهة. ومسألة النبوة وعصمة الأنبياء، ومعجزات الأنبياء، والكرامات للأولياء، ورؤية الله، وبيان مسمى الدين وأن اسمه جامع للشرائع كلها، والشفاعة والمسائل السمعية من وزن الأعمال والجنة والنار وعذاب القبر.
الفقه الأبسط:
وهو الفقه الأكبر برواية أبي مطيع، وعرف بالفقه الأبسط تمييزاً له عن الفقه الأكبر برواية حماد بن أبي حنيفة عن أبيه. وأبو مطيع هو الحكم بن عبد الله البلخي صاحب أبي حنيفة، حدّث عن أبي عون وهشام بن حسان عن أحمد بن نوح وخالد بن سالم الصفار وجماعة، تفقه به أهل تلك الديار. وقد شرح أبو الليث السمرقندي هذه الرسالة: الفقه الأكبر رواية أبي مطيع المعروف بالفقه الأبسط، وأبو الليث توفى سنة 373 هـ وقد نسب هذا الشرح خطأ إلى أبي منصور الماتريدي. ورسالة الفقه الأبسط تغاير في نمطها رسالة الفقه الأكبر، إذ أن القضايا الكلامية الواردة فيها عبارة عن إجابة لأسئلة تلميذ الإمام الأعظم وهو أبو مطيع. ونجد في هذه الرسالة بعض الأدلة التفصيلية لبعض القضايا الكلامية، وطريقة إيجاد الأدلة على القضايا الكلامية في الفقه الأبسط يخالف ما ساقه في الفقه الأكبر إذ في رسالته هذه يجيب على أسئلة أبي مطيع، ويوضح توضيحاً كاملاً بناء على استيضاحه، ولذلك نجد بعض القضايا الكلامية في هذه الرسالة قد أعطى لها حقها الكامل في التوضيح رداً على أسئلة التلميذ.
المطلب الرابع: دور الإمام أبي حنيفة رحمه الله في تأسيس علم الفقه
يعتبر مذهب الأحناف من المذاهب التي كان لها فضل كبير على الفقه الإسلامي، من خلال تحرير مسائله، وترتيبها في أبواب، حيث يعد الإمام أبو حنيفة أول من دون علم الشريعة ورتبه أبوابًا، ثم تابعه مالك بن أنس في ترتيب الموطأ، ولم يسبق أبا حنيفة في ذلك أحد، لأن الصحابة والتابعين لم يضعوا في علم الشريعة أبوابًا مبوبة، ولا كتبًا.
ونجد مؤلفات المذهب الحنفي واسعة و في كل مجال وتطبيقاتها المعاصرة في دائرة اهتمام الباحثين والأساتذة المهتمين بالفروع الفقهية؛ المالية وتطبيقاتها المعاصرة هي ضمن نطاق تخصص علوم أصول الفقه والفروع ذات الصلة من عقيدة وحديث وعلوم قرآنية وغيرها من تخصصات الفروع الإسلامية.
وهذا كان بسبب الفقه الافتراضي عند علماء الحنفية والذين كانوا يتوسعون في المسائل لايجاد الحلول لها فكان هذا الفقه مرجعاً للباحثين في مسائل النوازل والقضايا المعاصرة وكذلك يعتبر المذهب مصدر رئيسي لقوننة الفقه الإسلامي وأعظم مثال تطبيقي لصلاحية الفقه الإسلامي أن يكون دستوراً لضبط نظام حياة المجتمع كما نجده في مجلة الأحكام العدلية التي تعتبر مصدر القوانين في كل تشريعات جميع الدول المتحضرة ومنها القانون الفرنسي والألماني والقوانين للدول الأوربية التي استمدت نت المذهب الحنفي.
والحمد لله